عرض مدونات الأديان من صنع الإنسان

02‏/06‏/2012

"نسخ التلاوة" أم تناقض وتحريف؟ نص رجم الزناة المحصنين مثالا

نتج عن اختراع معايير للحديث المعتمد عند أهل السنة وإصرارهم على وجوب العمل بخبر الآحاد ولا سيّما من "صحيحي البخاري ومسلم" ضرورة قبول كل النصوص الواردة فيهما تقريبا بكل ما تحمله تلك النصوص من إشكاليات ومنها نصوص عديدة تقول بضياع أجزاء من القرآن كان يُقرأ على عهد نبي الإسلام، فكان تبريرهم لذلك باختراع ما أسمَوه "نسخ التلاوة".

ومن أمثلة الأحكام التي تـُزعَم لدعمها نصوص قرآنية منسوخة التلاوة هو رجم الزناة، هذا الحكم الذي يؤيده كثير من المسلمين وهو معمول به في بعض الدول الإسلامية ومن ذلك ما يحصل حاليا من الحكم على فتاة سودانية بالرجم حتى الموت..

هذه بعض أحاديث البخاري ومسلم التي تم اعتمادها عند رجال الدين السنة وتبريرها بما دعوه "نسخ التلاوة" كبديل عن القول بتحريف القرآن بضياع أجزاء منه كما تصرح به هذه الأحاديث أو عن القول بتحريف الحديث بدخول أحاديث مكذوبة ضمن الحديث الصحيح عندهم:

- عن عمر بن الخطاب: "إن الله بعث محمداً (ص) بالحق وانزل عليه الكتاب فكان مما أنزل عليه الله آية الرجم . فقرأناها وعقلناها ووعيناها فلذا رجم رسول الله (ص) ورجمنا بعده . فأخشى إن طال بالناس الزمان أن يقول قائل : والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله"


- عن عمر أيضا: "إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم . أو إن كفراً بكم أن ترغبوا عـن آبائكم"

- عن عائشة أنها قالت : كان فيما أنزل من القرآن: عشر رضعات معلومات يحرمن. ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن.

- عن أبي موسى الأشعري: "كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة‏ ‏ببراءة‏ ‏فأنسيتها غير أني قد حفظت منها ‏‏لو كان لابن‏ ‏آدم  ‏واديان من مال لابتغى واديا ثالثا ولا يملأ جوف ابن ‏ ‏آدم ‏ ‏إلا التراب
وكنا نقرأ سورة كنا نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها غير أني حفظت منها يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة"

- سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ في المسجد فقال : (رحمه الله ، لقد أذكرني كذا وكذا آية ، أسقطتها في سورة كذا وكذا).


نسخ التلاوة يستلزم التحريف

يذكر لنا الحديث التالي لفظ آية الرجم:
- قال لي أبي بن كعب كم تعدون سورة الأحزاب ؟ قلت : إما ثلاثا وسبعين آية أو أربعا وسبعين آية قال : إن كانت لتقارن سورة البقرة أو لهي أطول منها وإن كان فيها لآية الرجم قلت : أبا المنذر وما آية الرجم قال :
"إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم".
الراوي: زر بن حبيش - خلاصة الدرجة: إسناده صحيح كالشمس - المحدث: ابن حزم - المصدر: المحلى - الصفحة أو الرقم: 11/235

حسب الأحاديث السابقة فإن هنالك نصوصا قرآنية لم تـُذكـَر في القرآن الذي كان على عهد محمد كما كانت هنالك نصوص قد نسيها، أي تحريف القرآن بدخول النقص عليه، وإنكار هذه الأحاديث يستلزم القول بتحريف الحديث الصحيح عندهم بدخول المكذوب فيه.، لذا حاول رجال الدين من أهل السنة معالجة هذه المسألة المحرجة باختراع ما أطلقوا عليه "نسخ التلاوة دون الحكم".
أي إن الله قد أرسل إلى نبي الإسلام تحديثا تراجع فيه عن كون نصها قرآنا – حسب ما استقر عليه رأي إلههم المتردّد!
كما حاولوا تبرير نسيان نبي الإسلام بأنه لم يكن ضياعا للقرآن بل كان "نسخ الحكم والتلاوة معا".

نصوص الأحاديث أعلاه واضحة جدا في دلالتها على تحريف القرآن، فلم يرد فيها زعم أهل السنة بأن هنالك ما يدعى نسخ التلاوة بل هي تنص صراحة على ضياع نصوص قرآنية بسبب عدم حفظ المسلمين لها و على نسيان نبي الإسلام لنصوص قرآنية اُخرى، وبما أن أهل السنة لا يستطيعون نقض معاييرهم في اعتماد صحة الحديث الذي تبنى عليه كثير من أحكام ما يدعى بالشريعة الإسلامية فلم يجدوا مناصا من إختراع نوعين من "نسخ التلاوة"

زعم جمهور الفقهاء المسلمين أن النسخ ثلاث أقسام:
الأول: نسخ الحكم دون التلاوة
الثاني: نسخ التلاوة دون الحكم
الثالث: نسخ الحكم والتلاوة معاً

وبذلك فإنهم يرون أن إلههم قد أنزل نصوصا تضم أحكاما أبطل حكمها وأبقى نصها قرآنا، بينما أنزل نصوصا اُخرى تضم أحكاما أبطل نصها وأبقى حكمها "نسخ التلاوة دون الحكم"، وأنزل نصوصا من نوع ثالث قد تراجع تماما عنها نصا وحكما!!

هل هنالك تخبط أكثر من هذا؟!

تخيَل أن شخصا قال لك ادرس هذا الكتاب واعمل بمضمونه جيدا وقم رغم ذلك بإهمال الكتاب نفسه، وادرس كتابا آخر ولا تعمل بمضمونه ومع ذلك اعتن به أشد العناية، وأضاف خذ هذا الكتاب ثم قال لك بعدها انس أمره!، لن ألومك إن قلت إن هذا الشخص مخبول!

ببساطة عدم ردّ هذه الأحاديث يعني دخول النقص على القرآن ورّدها يعني بطلان معيارهم في تصحيح الحديث.

نسخ التلاوة يستلزم البداء

الإشكالية الثانية لاختراع فقهاء أهل السنة لما أسمَوه "نسخ التلاوة" أنه يلزمهم الإعتقاد بالبداء في علم الإله، أي أن الإله قد علم شيئا كان خافيا عليه وهو –في مثالنا هذا- حقيقة النص القرآني "المنسوخ التلاوة" فكان الإله يرى أنه قرآن ثم بدّل رأيه وعلم أنه ليس قرآنا!

قد يقول البعض بأن نسخ التلاوة لا يستلزم ذلك وأنه مثل نسخ الحكم لا يستلزم البداء، فأقول إن النسخ قد يقع أحيانا في الأوامر والنواهي دون أن يؤدي إلى البداء بالضرورة لكن النسخ لا يقع في الأخبار فالخبر إما مطابق للواقع أو غير مطابق له، واعتبار هذه النصوص قرآنا هو خبر وليس أمرا أو نهيا فالقرآن حسب المسلمين كلام الله لفظا ومعنى بينما غير ذلك اللفظ هو بالإتفاق (بين المسلمين واللادينيين) ليس من عند إله، وبالتالي نلزمهم حسب معتقدهم أن الله قد ذكر أن ألفاظ هذه الآيات هي من ألفاظ الإله (وهذا خبر) ثم عاد وقال إنها ليست من ألفاظه (وهو نفي نفس الخبر)، وهذا أوضح ما يكون من البداء، أي قد ظهر للإله ما كان يجهل حسب ما يلزمهم به الإعتقاد بنسخ التلاوة.


القرآن يذكر الزانيات المحصنات ولا يذكر الرجم

ينص القرآن في أول سورة النور على جلد الزانية والزاني فيقول "والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة" وأن "يشهد عذابهما طائفة من المؤمنين" وذلك دون تفريق بين محصن وغير محصن.

قد لا يكون هذا واضحا بما فيه الكفاية، لكن القرآن يضم نصا آخرا يقول إن الفتاة [الأمة (أي المملوكة)] إذا زنت وهي محصنة فعليها نصف ما على المحصنات من العذاب، والرجم حتى الموت لا يمكن تنصيفه بخلاف مئة جلدة فنصفها خمسين، أدناه النص من سورة النساء/25:

"وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ"

أي إن القرآن لم يذكر الرجم أبدا رغم إشارته إلى زنا المحصنات، لكن جمهور رجال الدين المسلمين يرون رغم ذلك أن الرجم حكم شرعي واجب التطبيق على الزناة المحصنين بناء على أحاديث ثابتة عندهم وبزعم أن كلمة "المحصنات" الأخيرة في النص لا تعني المتزوجات.

أخيرا أليس من الغريب أن يحكم الإسلام بأن اغتصاب الرجل المسلم للمرأة المتزوجة مباح بمجرد شرائها أو سبيها تحت مسمى "ملك اليمين" بينما ممارسته الجنس مع امرأة برضاها تستوجب الرجم بالحجارة حتى الموت أو الجلد مئة جلدة؟! وكيف يمكن لعاقل أن يعتقد أن ربّه يغيّر رأيه فيصف نصا معينا مرة بأنه كلامه ومرة بأنه ليس كلامه، ثم يزعم أن ذلك النص معجز؟!

4 comment(s):

إظهار/إخفاء التعليق(ات)

إرسال تعليق

ملاحظة: يسمح بإعادة النشر بشرط ذكر الرابط المصدر أو إسم الكاتب