عرض مدونات الأديان من صنع الإنسان

29‏/04‏/2007

قصتي من الإسلام الى اللادينية

نشأت أيام طفولتي في بغداد في كنف عائلة مسلمة متدينة، تعلمت من أهلي حب الاسلام، تأثرت بوالدتي وتعلمت منها الخُلق والانسانية والعدل مع الناس قبل كل شيء وتأثرت بخوفها من الله ونسخته عنها كما هو حال كل الاطفال الذين ينشأون على ما عودهم أهلهم ويتبعونه كل حياتهم ما لم تطرق مطرقة الشك على سندان أفكارهم، كما تأثرت بخالي وهو حافظ للقرآن وأحد أئمة المساجد في منطقة الأعظمية ببغداد، والذي كان يتناقش معي كما يتناقش مع الكبار الراشدين، وربما كانت هذه البيئة التي نوقش فيها رأيي واحتُرمت فيها انسانيتي من جهة والتي تربيت فيها على العدل مع الناس والانسانية والرحمة من جهة اخرى هي التي أعطتني فيما بعد ثقتي بنفسي في البحث بعد أن دخل الشك عليّ في كثير من الامور التي أمر بها الاسلام اذ لم أجد أن لها نصيبا من العدل أو الانسانية أو الرحمة فبدأت أبحث بالثقة التي زرعوها في نفسي حتى وصلت الى ما أراه حقيقة اليوم.

تعلمت في أيام صباي حب السنة واتباع نهج الصحابة والسلف الصالح (كما كنت اسميهم) لذا كنت أختار اصدقائي ممن يحب السنة ويتبع نهج أهلها أينما حللت، تعلقت بالمساجد وحفظ القرآن حتى حفظت ثلاثة عشر جزءا منه، كنت حريصا على أن اعمل بمضمون أحاديث النبي، بعد بلوغي سن الرابعة عشر زادت معلوماتي عن الدين وازدادت الواجبات الدينية التي كان عليّ ان ألتزم بها بعد اطلاعي على كتب السنة بشكل اوسع غير أني بدأت أضجر من تحريم الدين لكثير من الامور التي لم أرَ فيها ما يضر الفرد أو المجتمع والتي لم يكن لها بديل من الامور المحللة شرعا، كما ضجرت من كثرة الواجبات الملقاة على عاتقي والتي لم أرَ فيها نفعا للانسان وبدأت أتساءل عن جدواها، كما بدأت الاحظ تناقض الروايات مع نفسها ومع القرآن وحيرني امر النسخ في القرآن وكيف لم يصمد فترة النبي نفسها بدون تغيير بينما يصمد بعد ذلك لأكثر من ألف وأربعمئة سنة بدون حاجة الى النسخ والتغيير كما حيرتني بشاعة بعض التكاليف كرجم الزاني بالحجارة حتى الموت والذي لم أستطع أن أتقبله أبدا وكفر تارك الصلاة وما يترتب عليه حتى ان كثيرا من الفقهاء قالوا بقتله بعد الاستتابة كما احترت كيف سمح الاسلام بسبي نساء المقاتلين في الحرب واستعباد أولادهم وكيف اتفق الفقهاء على قتل المرتد بينما نستقبل المرتدين عن اديانهم الى ديننا بالترحاب فأين العدل في هذا؟ وكيف يقول "من بدل دينه فاقتلوه" من قال "لا اكراه في الدين"؟ والمصيبة أنني مطالب كمسلم بالدعوة الى اقامة الشريعة الاسلامية فكيف سأفعل وأنا لا استطيع تقبلها اصلا؟

ازدادت حيرتي من هذه الامور وغيرها لكنني كنت مؤمنا بوجوب اقناع نفسي بها لأنها من الله وان عليّ السمع والطاعة وإلا فجهنم هي المصير ولن أحتمل عذابا أبديا كالذي وصف في القرآن، الا أن الذي حصل بعد فترة أنني لم أعد أحتمل كثرة التكاليف ووجوب الايمان بامور لا اجدها تحمل من العدل والانسانية شيئا بل يجب عليّ الدعوة اليها وبدأت اؤمن ان الله خلقنا ليأمرنا بأشياء لا نستطيع ان نؤديها ليعذبنا بعد ذلك على التفريط فيها فبدأت أشعر لااراديا بالبغض لهذا الاله ثم قررت ترك الصلاة والفروض الدينية لأنني اقتنعت ان مصيري هو نار جهنم وإن صليت وإن صمت وأديت كل الفروض الواجبة عليّ لأن الجنة لا يدخلها الا من أتى الله بقلب سليم وأنا اشعر بالبغض لله وهو يعلم هذا فالنتيجة واحدة ولا فائدة من الالتزام فهو وحده غير كاف للخلاص من عذاب جهنم.

بعد فترة من تركي الالتزام بالدين لم اعد أحتمل وضعي اذ كنت ما أزال متيقنا أن الله هو من ارسل محمدا الى الناس وان النار حق والجنة حق، ومصيري هو النار بالتأكيد، فقررت البدء بدراسة مصادر الاسلام بنفسي دون الاعتماد على احد من المشايخ لعلني اجد أجوبة لأسئلتي المحيّرة فبدأت بقراءة كتب عن علم الحديث وعلم اصول الفقه لأعلم من أين أتت هذه الاحاديث وكيف يبني الفقهاء اجتهاداتهم فبدأت اكتشف ثغرات خطيرة في أدلة اصول الفقه وعلمت ان الاحاديث المسماة بالصحيحة هي ظنية الثبوت وليس من المؤكد أن النبي قد قالها ثم وجدت اعتراف كثير من الاصوليين كالنووي والمعتزلة وجمهور الاشاعرة بذلك، وكذلك الاجماع الذي عليه كثير من الإشكالات حول حجيته وإمكان التحقق من وقوعه. أما القياس الفقهي الذي رفضه الظاهرية فيعتمد مجرد الشبه الظاهري بين ما هو منصوص عليه في زمن النبي وما هو حادث الآن و عند قراءة كتب عن علم المنطق للغزالي وغيره رأيتهم يؤكدون ان القياس الفقهي يدخل ضمن ما يصطلح عليه بالتمثيل في علم المنطق والذي لا يفيد اليقين بل لا يفيد الا الظن فلم أفهم وقتها كيف يسمح الفقهاء لأنفسهم أن يوجبوا علينا العمل بمضمون أحاديث يعترفون هم انفسهم بظنيتها!!

وبعد دراسة أكثر لاصول الفقه عرفت سبب ذلك عند جمهور الأصوليين، فإن الظن الراجح عندهم كاف في ثبوت الحكم، فمثلا إذا حصل الظن بأن النبي قد أمر أمرا وجب قطعا العمل به ويؤثم تاركه ويؤجر فاعله فاليقين بقول الرسول ليس شرطا لوجوب تنفيذ ما أمر به القول المنسوب إليه والظن وحده كافٍ!!

ذهلت لما علمت وبدأت أتسائل، هل نرجم الزاني المحصن ونكفر تارك الصلاة ونقتل المرتد وغيرها من الامور البشعة بنصوص ظنية!!
تسائلت، ماذا ان فعلناها ثم اتضح يوم القيامة ان الرسول لم يأمر بها وعاقبنا الله على ذلك؟ قرأت الأجوبة على هذه الأسئلة ولم تكن مقنعة أبدا لي ووجدت الردود عليها أكثر اقناعا ومن داخل اصول الفقه نفسها.

لاحظت بغض المذاهب الاسلامية بعضها بعضا وتنبأت قبل سنين طوال مما يحصل الآن في بلدي ان الامر خطير وإن الامر سينفجر يوما من الايام بين السنة والشيعة وكذلك بين اصحاب المذهب الواحد انفسهم اذا ما تحول ما هو مكتوب على الورق الى أفعال على أرض الواقع فالتكفير قد يقع في فهم آية بناء على رواية ما في كتب الاحاديث والتي تجد في كثير من الأحيان ما يعارضها في روايات اخرى من نفس الكتب فيتشبث كل فريق برواية ويؤول الاخرى فيكفر بعضهم بعضا ثم يتقاتلون بسبب حد الردة الذي اتفقوا عليه على اختلاف مذاهبهم
خلال قرائتي لاصول الفقه مرت عليّ كلمة "علم الكلام1 والمتكلمين" فأردت أن أعرف أكثر عنها فسألت عند ذهابي المعتاد كل يوم جمعة الى شارع المتنبي2 عن كتب بهذا العنوان فكان أول كتاب وجدته بعنوان "الباقلاني3 وآراءه الكلامية- رسالة دكتوراه" فاشتريته وقرأته بتلهف وشوق لعلي أجد فيه شيئا يقنعني بالاسلام ويطفئ نيران أسئلتي التي ستدخلني جهنم ان لم تنطفئ قبل قدوم هادم اللذات مفرق الجماعات(الموت).
كان الكتاب عاما وفيه شرح واف لمبادئ علم الكلام وليس خاصا بالباقلاني، ورأيت خلال قرائتي له أن مذهب الاشاعرة أقل تشددا بصورة عامة من مذهب أهل الحديث أو الحنابلة كإبن تيمية حيث انهم يعترفون بظنية أخبار الآحاد وكثير منهم لا يوجبون الجزم بها في العقائد لا سيما إن تعارضت مع العقل، الا أن من لفت انتباهي أكثر في الكتاب هم المعتزلة وآرائهم المنطقية والعقلانية في كثير من الامور ولم أكن قد سمعت عنهم حتى تلك اللحظة الا شرا، غير ان استغرابي هذا الشر الذي سمعته عنهم بدأ يزول عندما قرأت بعدها كتبا عديدة تتناول فكرهم والتي أرتني جرمهم الكبير والمتمثل باطلاقهم العنان لفكرهم المحدود وثقـتهم بعقولـهـم القـاصرة واتباعها مقابـل ظاهر النص الالـهي (اعذروني تبت من هذا الكلام منذ زمن).

قرأت الكثير من الكتب عن المعتزلة وأعجبني فكرهم جدا لكن لم يمكنني اتباعهم كليا حيث كان عندهم بعض الاعتقادات المخالفة لصريح الكتاب كما ان كثيرا منهم لم يكونوا أقل إفراطا من أهل السنة في تكفير مخالفيهم، لكنني اتبعت آراء المعتزلة في الفروع لغنى مذهب المعتزلة بالآراء الفقهية حيث قرأت في اصول الفقه عندهم فرأيت مثلا يحتذى به في العقلانية في كثير من آرائهم ورأيتهم قد سألوا الأسئلة التي كنت يوما اعتقد أنني وحدي الضال الذي سأل عنها فأحببتهم من كل قلبي ورفعت قبعتي احتراما لفكرهم الذي لو قدر له ان يستمر ولم يحارَب لكان حالنا اليوم غير الحال الذي نحن عليه من التخلف ورجعية الفكر ورفض العقلانية.
انتهى بي الأمر متبعا لفقهاء المعتزلة في الفروع وفي كثير من الاعتقادات كقولهم أن العقل أساس النقل وأن الانسان مكلف بالعقل كما هو مكلف بالنص وأن الايمان بالعقل والدليل لا بالتصديق بالقلب وحده كما يقول اهل السنة وأن أصحاب الفترة مأمورون باتباع الحسن عقلا واجتناب القبيح عقلا وهو الأمر الذي أعطى بديلا منطقيا لوجود أنبياء في بعض الفترات التي لم يكن فيها انبياء وآمنت مثلهم بحرية الارادة الانسانية وامور اخرى كمكافئة الله للبهائم يوم القيامة كواجب على الله من حيث الحكمة تعويضا لهم عن الإضرار بهم في الدنيا والذي كان أمرا محيرا بالنسبة لي حتى قبل ان اقرأ عن رأيهم فيه، غير أني كنت مرجئا لا اؤمن بأصل المعتزلة في المنزلة بين المنزلتين اذ ان فكر الوعيدية الذين يؤمنون بعذاب لا نهاية له لذنب منتهٍ لم يكن يقنعني أبدا وكنت محتارا في مسألة خلود الكافر في النار فالحيرة في صاحب الكبائر من المسلمين من باب اولى.
في مسائل الذات والصفات كثبوت الجهة والرؤية يوم القيامة وغيرها اخترت ان اكون واقفيا واعتبرت الخوض فيها من التنطع في الدين.
قرأت عن ادلة أهل السنة في تعيين الصحابة وتعريفهم لهم فلم أجدها مقنعة أبدا فالمدح في القرآن لا يشمل كل من لقي النبي مؤمنا به ومات على الاسلام(كما هو تعريف اهل السنة للصحابة) بل القرآن يمدح بعضا منهم ويذم آخرين، تشيعت لعلي وبغضت معاوية حيث لم يكن مقنعا بالنسبة لي أبدا ان فريقين يذبح بعضهم بعضا يمكن أن يكونوا جميعا على الحق وأدركت كيف أن ذلك يقوم مقام التساهل في القتل بحجة الفتنة أو ما شابه ثم صار رأيي عن الصحابة بين السنة والشيعة لكن بقيت عندي عدة مشاكل لم أجد جوابا لها ابدا (حتى صرت لادينيا)، مثل الحاجة الى أخبار الآحاد الظنية الثبوت لتطبيق وفهم كثير من النصوص القرآنية أو الأحاديث المتواترة مثل كيفية الصلاة ومقدار الزكاة ومعرفة الاشهر الحرم التي حرم القرآن القتال فيها ولم يذكرها، وكذلك وجود عدد من النصوص القرآنية والأحاديث المتواترة التي تحمل امورا لم أستطع تقبلها كالعدوانية تجاه الآخر الواردة في نصوص قرآنية مثل(قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولايحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين اوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) و(فإذا أنسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) ووحشية بعض الحدود الواردة فيه كالنص الدال على وجوب قطع يد السارق، كذلك وجود بعض الامور غير المنطقية في القرآن كالنصوص الدالة على وجود يأجوج ومأجوج تحت السد الذي بناه ذو القرنين حتى الآن وخروجهم الموعود وغيرها، لكن الادهى من ذلك هو تعرفي على مشاكل جمع القرآن ومدى اختلاف قراءات القرآن السبعة فيما بينها معنويا، كقوله: وانظر إلى العظام كيف نـنشرُها (بمعنى نـُحييها) وفي قراءة ننشزُها (لها تفاسير عدة منها للطبري وهو قوله: نرفعها من أماكنها من الأرض فنردها إلى أماكنها من الجسد)،
وكذلك ماننسخ من آية أو ننسِها(أي من النسيان) وفي قراءة ننسأها (أي نؤخرها فلا ننزلها)، وقوله (امسحوا برؤوسكم وأرجلَِكم الى الكعبين) بفتح لام وأرجلكم وكسرها فاختلف الشيعة والسنة حول مسح الرجلين عند الوضوء أو غسلهما خلافا كبيرا الى يومنا هذا، الى غيرها من الخلافات المعنوية التي تظهر لكل من يقرأ عن قراءات القرآن السبع أو العشر.
كانت بداية عهدي بمعرفة اختلافات القراءات عند قراءة محاضرات في أصول الفقه كانت
مقرّرة لطلبة كلية الحقوق في الجامعة المستنصرية ببغداد من تأليف أستاذ المادة الدكتور حَمَد الكبيسي (الأخ الكبير للشيخ الدكتور أحمد الكبيسي) حيث لاحظت عددا من الفروق بين القراءات في معرض كلامه عن قراءات القرءان منها قوله "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ (فتبينوا)" وفي قراءة (فتثبتوا)، وكذلك قوله "تجري مِن تحتِها الانهار" و"تجري تحتـَها الانهار" والخلاف الأخير وإن لم يكن معنويا الا انه لا مبرر له اذا كان القرآن كلام الله وقد نقل بلفظه عن النبي، كما علمت ان القرآن الحالي هو منقول بروايات عن المصاحف الستة التي بعث بها عثمان الى الامصار والمصحف الامام اختص به نفسه وليس نقل كتاب عن كتاب فما فائدة تدوين القرآن اذا لم يكن قد نقل الا بالرواية؟
والأدهى من ذلك حين علمت أن المصاحف العثمانية نفسها غير متشابهة مع بعضها البعض كما يقرر أئمة القراءات انفسهم بشجاعة يحسدون عليها، لكن بعضهم يبرر ذلك بأن الرسول سمح بقراءة القرآن على اوجه مختلفة حسب لهجات العرب وتسهيلا عليهم وأنه انزل على سبعة أحرف، لكن هذا التبرير لم يكن مقنعا لي لعدة أسباب منها أن اختلاف اللهجات لا يبرر اختلاف المعنى بل اختلاف اللفظ بشكل يعطي نفس المعنى.
كذلك ما سر هذه المحاباة للعرب بأن يقرأوا القرآن بلهجاتهم بينما باقي البشر محرومون من فهمه أصلا وهم مع هذا مكلفين بالاقرار بأنه معجزة!
وعند البحث عن حقيقة الأمر تبين ان السبب هو عدم النقط والشكل فالكتابة كانت بدون نقط الإعجام (كالنقاط المميزة بين التاء والثاء والباء والياء) وكذلك بدون شكل (أي نقط الاعراب التي أصبحت فيما بعد حركات الفتح والضم والكسر..الخ) ونجد مثالا على ذلك بعض المخطوطات القديمة منها مخطوطة القاهرة والمكتوبة بالشكل الموضح أدناه (النقر لتكبير الصورة):

أضف الى ذلك سببا آخر هو أن القراءات المعروفة لنا والتي إحداها رواية حفص لقراءة عاصم والمطبوع بها المصحف الحالي انما هي روايات عن المصاحف العثمانية التي فقدت والتي كانت مكتوبة بمثل هذا الشكل البدائي وفي نفس الوقت مختلفة فيما بينها باعتراف أئمة القراءات فتأمل!! 4
رغم كل ذلك كنت ما أزال مسلما باحثا عن الحقيقة على أمل أن أجد يوما جوابا لهذه الاسئلة التي تبقت والتي لم أستطع ايجاد جواب لها حالها كحال يأجوج ومأجوج وذي القرنين وغيرها من الامور المذكورة في القرآن.
لكن ما الذي حصل بعد ذلك؟
كنت جالسا في احدى الأيام أبحث في الانترنت عن جواب احد اسئلتي المستعصية على الجواب فاذا بي أجد منتدى اللادينيين العرب!!!

كان ايماني بالاسلام يعني بالنسبة لي وقتها ايماني بوجود الله فلا ايمان بالله بدون الاسلام وكان ايماني بوجود الله يقينا لا يقبل الشك ابدا لذا لم اسمح لنفسي يوما بأن أشك بأن الاسلام ليس من عند الله، لكني وجدت أن هنالك فرقة تُسمى الالوهيون وهم المؤمنون باله من دون دين كما وجدت بعض المواضيع التي تشكك بوجود الله لم استطع قرائتها في البداية حيث تملكني الخوف منها، لكن الجزء الاهم بالنسبة لي كان الاخطاء العلمية في القرآن والتي لم أكن اعير لها الكثير من الانتباه اذ كنت انسب الخطأ دوما الى المفسرين وكانت معلوماتي الدينية في مجال تفسير القرآن ضعيفة ولم يكن عندي معاجم مثل لسان العرب والقاموس المحيط اجعلها حكما بين تفسير هواة الاعجاز العلمي من جهة وبين الذين يعتمدون تفسير المفسرين الأقدمين للقرآن ويذهبون إلى أنه المعبر لغةً عن معنى القرآن وأن ما يقوله الاعجازيون تدليس في تدليس!!
لقد كنت أيام الاسلام اتجنب قراءة التفاسير القديمة معتقدا ان الأخطاء في التفسير كانت بسبب تفسير القرآن بالسنة والمأثور والتي كنت قد كفرت مسبقا بنسبتها الى النبي بعد قراءاتي عن علم الحديث وبالتالي ما بني على باطل فهو باطل فكان من الطبيعي عندي ان يخطِؤوا في تفسير القرآن ان اعتمدوا في تفسيره على روايات مظنونة كما تقدم في المقال هذا.

أما وقد صارت المعاجم حَكما بيننا وجئت بالقرآن والمعاجم وقارنت ما تقوله المعاجم بما يقوله الاعجازيون من جهة وبما يقوله المفسرون المتقدمون من جهة اخرى فذهلت كيف كنت أعمى عن هذه الحقيقة كل هذه الفترة ولم افكر يوما ان هذا الكتاب هو كلام محمد بن عبد الله المليء بالأخطاء العلمية والذي لم ينقل جيدا بسبب بدائية الكتابة في عهد عثمان ثم ضياع المصاحف التي كتبت والتي كانت أصلا مختلفة فيما بينها لأخطاء الكتبة واستوعبت اخيرا أن اخطاء المفسرين وإن كان بعضها بسبب روايات ضعيفة أحيانا وصحيحة ظنية الثبوت أحيانا اخرى غير أنها أيضا تعتمد على السياق القرآني واللغة كليا في أحيان ثالثة وأن ما يقوله المفسرون المتقدمون هو المعبر الحقيقي عن القرآن في أكثر الاحيان وأن ما يقوله الاعجازيون هو ليس الا ليا لأعناق الكلمات وتاويلها تأويلا لا سند له من المعاجم ولا أساس له يعتمد عليه غير خيالهم الخصب أو عاطفتهم الدينية التي تعمي أبصارهم عن الحقيقة.
1- الشمس تغرب في عين حمئة- اللغة وسياق الآية وتوافق معناها مع ما قبلها وما بعدها بل مع القرآن كله لا يكون الا بأنها تغرب حقيقة في العين الحمئة أو أن ذا القرنين رآها فعلا تغرب فيها وهو الذي آتاه الله من كل شيء سببا ومكن له في الأرض وبالتالي فالآية خطأ في كل الأحوال5.
والارض تدور حول نفسها وحول الشمس لكن القرآن يخبرنا ان الشمس هي التي تدور حول الارض كالقمر وذلك صريح في قوله (والشمس وضحاها والقمر اذا تلاها) وقول إبراهيم في ما يرويه القرآن عنه (فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب)!.
2-الارض حسب القرآن ثابتة تثبتها الجبال وان استبعدنا الروايات التي تؤكد ذلك6.
كقوله (وألقى في الارض رواسي ان تميد بكم) وإن فسرنا هذا النص على اساس ان الجبال تمنع اهتزاز الارض فهذا أيضا خطأ علميا فالجبال تنشأ عند حدوث الزلازل كما ان الكثير من المناطق التي تكثر فيها الزلازل هي مناطق جبلية.
3-الارض دحاها، و"دحى" تعني "بسط" كما تشهد بذلك المعاجم وان اهملنا أقوال المفسرين الأقدمين، والادحية في لسان العرب هي موضع بيض النعام وسمي بذلك لأن النعامة تضربه برجلها لتجعله منبسطا قبل وضع البيض فيه فهو تأكيد على أن دحى تعني بسط وليس نفيا له او دلالة على الشكل البيضوي
7 كما يزعم الاعجازيون كذبا وزورا وتمويها على الناس الطيبين الذين وثقوا بهم جهلا بحالهم.
4-السماء صلبة في القرآن واللغة والمعاجم شاهدة على أن ذلك يفهم بشكل قاطع من الآيات التي تذكر السماء مثل كونها ممسوكة لئلا تقع على الارض وأنها ستطوى يوم القيامة ويمكن تفتيحها أبوابا ومرفوعة بلا عمد ويوم تشقق فيه السماء وما لها من فروج..الخ، وان استبعدنا التفاسير7،وقد جمعت مدونة الأديان من صنع الإنسان مواضيع هامة في نقده إضافة إلى مواضيع هذه المدونة فلا حاجة لذكر المزيد منها في هذا الموضع.

ثم رحت افكر لمَ كنت مؤمنا كل هذه الفترة بأن القرآن من عند الله، ما معجزته؟
إن فرضنا أن التفوق في البلاغة هو المعجزة فإن التفوق على الآخرين غير كاف في ادعاء النبوة والا لجاز لكل من تفوق في احدى الصناعات ادعاؤها، ما هي معجزة محمد لغير المتحدثين بالعربية وهو الذي ارسل الى العالمين على حد قول القرآن؟!9.
بعد أن انتهيت من بحثي في الاسلام وتيقنت أنه ليس دينا نزل من السماء لجأت الى الكتاب المقدس أقرأه لعل المسيحية هي الدين الحق وإن كنت قد استبعدت ذلك لكون عقلي مليء بالحجج التي تفند صحتها منذ ايام الاسلام حيث ان الانسان يرى جيدا أخطاء الأديان الاخرى لكنه يتعامى عن نقد الديانة التي تربى عليها وعلى الخوف من نقدها أو نقد نبيها أو ربها، لذا كانت رؤية حقيقتها أمرا هينا بمجرد معرفة أخطاء علمية في الكتاب المقدس مقاربة لما في القرآن عدا العنصرية البغيضة والدموية المقيتة في العهد القديم التي لا أدري كيف يؤمن أحد بقداسة الكتاب الذي يحتويها الا ان يكون الخوف من العذاب هو السبب الدافع للايمان فعندئذ قد أعذرهم، وهنالك مواضيع كثيرة تنقد المسيحية واليهودية في المدونة المذكورة آنفا فلا حاجة للاطالة.
أخيرا مسألة وجود الله وبعد قراءة حجج الملحدين وحجج الالوهيين بدأت اشك بوجود الله لكنني ما زلت في مرحلة البحث والسؤال حول هذه المسألة ولا علم لي بجواب شاف حتى الآن يثبت وجود اله أو آلهة أو عدمه فأتوقف عن طرح رأيي والحجج في المسألة.
أما الدين فلا دين، نعم لقد كانت بالفعل أكبر كذبة في التاريخ..
---------------------------------------------------------------------------------------------
1- علم الكلام يعتبر من قبل البعض البدايات الأولى نحو نشوء الفلسفة الاسلامية ، كان علم الكلام مختصا بموضوع الإيمان العقلي بالله وكان غرضه الإنتقال بالمسلم من التقليد إلى اليقين و إثبات أصول الدين الاسلامي بالأدلة المفيدة لليقين بها. الويكيبيديا
2- شارع المتنبي ببغداد يضم سوقا كبيرا ومشهورا لبيع الكتب.
3- الباقلاني: هو أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد القاضي المعروف بابن الباقلاني المولود بالبصرة والمتوفّى 403هـ، المتكلم على مذهب ابي الحسن الأشعري، اشتهر بمناظراته عند بلاط ملك الروم مدافعا عن الاسلام.
4- للمزيد عن اشكاليات جمع القرآن وروايته راجع تأريخ جمع القرآن و القرآن ليس متواترا

5- للمزيد من المعلومات، اقرأ لنسلّم أن الشمس لا تغرب في عين حسب القرآن، هل ذلك يحل الاشكال؟
6- للمزيد من المعلومات، اقرأ - دوران الأرض بين العلم والدين
7- للمزيد من المعلومات، راجع هل الأرض كروية في القرآن
8- للمزيد من المعلومات، اقرأ - السماء في القرآن
9- راجع موضوع معجزة عربية لدين عالمي ينذر الناس كافة، تساؤلات

101 comment(s):

إظهار/إخفاء التعليق(ات)

إرسال تعليق

ملاحظة: يسمح بإعادة النشر بشرط ذكر الرابط المصدر أو إسم الكاتب