عرض مدونات الأديان من صنع الإنسان

14‏/11‏/2016

قراءات قرآنية أم تحريف في القرآن: الجزء 2

في الجزء الثاني من الموضوع نرد على زعم وجود قرآن له معنى مفهوم دون قراءات أو مصاحف مشكّلة ومنقوطة ونتكلم في نقد شروط التواتر عند الإسلاميين.

الرد على الزعم الثاني وهو أن الاختلاف في القراءات لا يعني تحريف القرآن للمغايرة بينهما

ببساطة لا يمكن أن يكون القرآن واحدا إن كان القرآن هو رسم المصحف لأن الرسم مختلف فيه كما أوضحت في موضوع من اختلافات المصاحف - من كتاب "السبعة في القراءات" ، كما لا يمكن أن يكون القرآن واحدا إن كان هو النطق بألفاظه لأنه غير ممكن دون القراءات القرآنية وهي مختلفة.

وقد حاول بعض من أدرك من رجال الدين المسلمين عدم تواتر القراءات السبع عن نبي الإسلام واعترفوا بذلك إبعاد الشك عن القرآن فحاولوا جاهدين التفريق بين القرآن والقراءات فزعم الزركشي مثلا أن "للقرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان، فالقرآن هو الوحي المنزل على محمد صلى الله عليه واله وسلم للبيان والاعجاز، والقراءات اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في الحروف، وكيفيتها من تخفيف وتشديد غيرهما" (الإتقان في علوم القرآن).

لكن هذه المحاولة للتفريق بين القرآن والقراءات لا تحل الإشكال إذ إنه يترك إشكالية معرفة القرآن دون قراءات، لذا نسأل:
هل الوحي المنزل على محمد كان بألفاظ لها معان أم لا؟
إذا كان بألفاظ فكيف يمكن التعرف على هذه الألفاظ دون صحف منقطة ومشكلة ولا قراءة مسموعة؟
كيف يمكن الوصول دون القراءات إلى أي معنى للقرآن فضلا عن البيان والإعجاز الذي يزعمه الزركشي؟!
إذا كان ذلك غير ممكن كما هو بيّن فلـَم يبق لنا سوى رسم المصاحف والنطق بالقراءة، والأول مختلف فيه كما أوضحت في الموضوع السابق والثاني مختلف أيضا إلى درجة تغيير الألفاظ والمعاني كما يبيّن هذا الموضوع.

نخلص من هذا إلى أحد احتمالين:
- إما أن القرآن شيء ليس له ألفاظ مبينة ولا معنى أصلا فضلا عن الإعجاز المزعوم.
- أو إذا كان له لفظ منطوق أو مكتوب فلا يكون هذا اللفظ إلا ما نجده في القراءات المختلفة أو المصاحف المختلفة لذا لا يمكن للقرآن إلا أن يختلف باختلاف المصاحف والقراءات.

مشكلة اُخرى للقول بأن القرآن ليس له ألفاظ مبينة لها معنى أو أنه متعدد النسخ هو أن القرآن نفسه لا يوافق على هذا.

القرآن نفسه لا يذكر القراءات ولا يوافق على تعدد نسخه واختلافها أو على كونه ليس مُبينا

اختلاف اللفظ اختلافا يغير معنى أو معاني ذلك اللفظ يستلزم تغير الكلام نفسه وبالتالي لن يبقى واحدا
وإذا افترضنا أن ما يخبرنا به القرآن حق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه كما يؤمن المسلمون فلننظر إذن ماذا يقول القرآن عن نفسه

إن هو إلا ذكر وقرآن مبين. (يس: 69)
تلك آيات الكتاب وقرآن مبين (الحجر: 2)
ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء (النحل: 89)

تقترح هذه النصوص أن القرآن كتاب مُبين، لا وحي مجهول المعنى، ولا قراءات مختلفة المعنى
أي لا يمكن تسمية شيء قرآنا دون أن يكون له معنى بيّن، ولا وجود للمعنى إلا في القراءة.
كذلك تقترح وجود قرآن واحد لا عدة نسخ مختلفة منه، 7، 10 أو أكثر.

النتيجة أننا إن قلنا أن القرآن مجرد وحي لا ألفاظ له أو معاني إلا بالقراءة خالفنا وصف القرآن لنفسه بأنه مبين، وإن قلنا أن القرآن متعدد بتعدد القراءات خالفنا القرآن أيضا كون القرآن لا يقول بتعدد واختلاف نصوصه، إذن لم يبق سوى القول بأن وقوع التحريف في القرآن هو الذي جعل من "القرآن الواحد المبين" عدة قراءات مختلفة المعنى أو القول بأن القرآن أخطأ في وصف نفسه..

ولعل إدراك بعض المتأخرين من الاصوليين المسلمين لخطورة ترك اختلاف القراءات دون تبرير كونها تعني أيضا الاختلاف في القرآن قد دفعهم إلى اختلاق أو تبني اكذوبة تواتر القراءات السبع جميعا على اختلافها عن نبي الإسلام كمحاولة للتستر على حقيقة وقوع التحريف في القرآن لعدم وجود قرآن له معنى إلا من طريق القراءات، فالصحيح هو أن القراءات هي الألفاظ المحرَّفة للقرآن.


من أمثلة الاختلاف في القراءة ما يؤثر في العقيدة الاسلامية التقليدية

حاول أبو مجاهد التقليل من شأن الاختلافات بين القراءات السبع في مقدمة كتابه "السبعة في القراءات" قبل سرده لتلك الاختلافات، فقال: "اختلف الناس في القراءة كما اختلفوا في الأحكام ورويت الآثار بالاختلاف عن الصحابة والتابعين توسعة ورحمة للمسلمين وبعض ذلك قريب من بعض"
ويمضي ابن مجاهد في مقدمة كتابه لينقل رواية تزعم أن الاختلاف في القراءات لا يكاد يؤدي إلى اختلاف المعنى، فيقول:
حدثنا عباس الدوري قال حدثنا أبو يحيى الحماني قال حدثنا الأعمش عن شقيق قال قال عبد الله إني سمعت القراء فرأيتهم متقاربين فاقرءوا كما علمتم وإياكم والتنطع والاختلاف وإنما هو كقولك هلم وأقبل وتعال"

لكن هل الاختلافات بين القراءات طفيفة حقا كالاختلاف بين "هلم وأقبل وتعال"؟

ستجدون في هذا الموضوع ثلاثين مثالا على الاختلاف المعنوي بين القراءات لكن سأذكر هنا مثالين للاختلافات بين القراءات يؤثـّران بشكل مباشر في العقيدة الاسلامية التقليدية:

المثال الأول: هل إن محمد هو خاتِم النبيين، أي آخرهم، أم خاتـَمهم فيمكن أن يأتي بعده نبي؟

هل يجوز للمسلم أن يعتقد بنبي آخر بعد محمد أم لا؟
ماذا عن فرقة الأحمدية (القاديانية)، أليسوا مسلمين؟

الدليل الوحيد للمسلمين من القرآن هو أن محمدا خاتم النبيين (بالكسر) لكن قراءة عاصم (بالفتح) لا تقتضي ذلك

الأحزاب
8)
خاتـَم - خاتـِم (النبيين
واختلفوا فى فتح التاء وكسرها من قوله وخاتم النبيين 40
فقرأ عاصم وحده وخاتم بفتح التاء
وقرأ الباقون وخاتم بكسر التاء

من القرطبي
"وخاتم" قرأ عاصم وحده بفتح التاء، بمعنى أنهم به ختموا، فهو كالخاتم والطابع لهم. وقرأ الجمهور بكسر التاء بمعنى أنه ختمهم، أي جاء آخرهم. وقيل : الخاتم والخاتم لغتان، مثل طابع وطابع، ودانق ودانق، وطابق من اللحم وطابق .... قال ابن عطية : هذه الألفاظ عنه جماعة علماء الأمة خلفا وسلفا متلقاة على العموم التام مقتضية نصا أنه لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم
وما ذكره القاضي أبو الطيب في كتابه المسمى بالهداية: من تجويز الاحتمال في ألفاظ هذه الآية ضعيف. وما ذكره الغزالي في هذه الآية، وهذا المعنى في كتابه الذي سماه بالاقتصاد، إلحاد عندي، وتطرق خبيث إلى تشويش عقيدة المسلمين في ختم محمد صلى الله عليه وسلم النبوة، فالحذر الحذر منه !

الجلالين
فلا يكون له ابن رجل بعده يكون نبيا، وفي قراءة بفتح التاء كآلة الختم: أي به ختموا


المثال الثاني: هل إن الإله يَعجب؟

هل يجوز للمسلم أن ينكر أن الإله يعجب أم عليه الإيمان بذلك؟

أليس من البيّن أن العجب يقتضي البداء (العلم بعد الجهل)؟

الصافات
9)
عَجـِبتَ - عَجـِبتُ
واختلفوا فى ضم التاء وفتحها من قوله تعالى بل عجبت 12
فقرأ حمزة والكسائى بل عجبت بضم التاء
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر بل عجبت بفتح التاء

من القرطبي
قوله تعالى: { بل عجبت} قراءة أهل المدينة وأبي عمرو وعاصم بفتح التاء خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم؛ أي بل عجبت مما نزل عليك من القرآن وهم يسخرون به. وهي قراءة شريح وأنكر قراءة الضم وقال : إن الله لا يعجب من شيء، وإنما يعجب من لا يعلم.


في نقد شروط التواتر عن الإسلاميين

لكون القراءات غير متواترة باعتراف كثير من رجال الدين المسلمين أنفسهم لن أدخل هنا في تفاصيل التواتر وحجم اختلاف المسلمين في معناه وشروطه فمنهم من لم يشترط سوى عدد قليل من الرواة ومنهم من أوصل العدد إلى المئات، لكني سأكتفي بنقد تعريفه السائد واقتراح أن مجرد رواية خبر من قبل عدد كبير من الأشخاص وظاهر صدقهم حتى مع من اشتراط تباعد بلدانهم لا يكفي للحكم بقطعية صحة الخبر

فالتواتر بتعريفهم الأشهر هو "نقل جمع لخبر عن محسوس بحيث يستحيل تواطئهم على الكذب".

ومن شروطه السائدة عندهم أن ينقل الخبر عدد كبير من الرواة وأن يكون الخبر عن شيء محسوس كما في التعريف، كما اشترط بعضهم ظاهر الثقة في الرواة.

قد تزيد كثرة نقل الخبر من مصادر مختلفة لا تواصل بينها من احتمالية صدق الخبر لكن شروط الإسلاميين لا تكفي للحكم باستحالة الكذب في الخبر لأن كذب أي عدد من الناس ليس محالا عقلا لوجود احتمالات عديدة منها:

أولا:
وجود مصلحة مشتركة في نقل الخبر (كالتكسب من الرواية أو إثبات نص مفيد للمذهب أو خوفا من شخص ذي سلطة أمرهم بذلك أو طمعا بمكافأة منه)
ثانيا:
الثقة مسألة تخمينية تعتمد على الظاهر وعلى المعروف عن الشخص ولا يمكن التأكد من صدق الشخص قطعا.
ثالثا:
إمكانية التدليس ووضع الأسانيد
قد أضاف قليل منهم تباعد بلدان الجمع الناقل للخبر كشرط للتواتر لكن حتى مع تحقق هذا الشرط يمكن وقوع الكذب في الخبر إذ لا مانع من انتقال الأخبار بين البلدان فيكون المصدر واحدا.

وفي محاولتي الشخصية لوضع شروط للتواتر أكثر انضباطا من تلك الشروط المتساهلة التي يكتفي بها الإسلاميون تساءلت فيما إذا كان من الممكن تحقق التواتر في حالات ما إذا ثبت عدم اللقيا بين أي راوي بين الطرق المختلفة للرواية.

وعند التفكير مليا في الأمر تبين لي أن المشكلة هنا تبدو في عدم إمكانية التحقق من عدم اللقيا بين أحد من رواة الطريق الأول للرواية وأحد من رواة الطريق الثاني لامكانية التدليس ووضع سند مكذوب للرواية فيسمع الواحد من الرواة من أشخاص بينما يذكر آخرين كسند لروايته.

مثال افتراضي: أن يسمع عراقي ومصري ومغربي رواية من شخص قادم من الشام فيدلسون ويزعم كل منهم أنه سمعها من شخص من بلده (العراق أو مصر أو المغرب) فيحصل التوهم بأن أحدا من سلسلة الرواة في أحد طرق الرواية لم يلتق أحدا من الرواة في الطريق الآخر بينما أصل الرواية في الواقع لشخص (الرجل من الشام في هذا المثال).

أما عن دوافع الكذب في السند فقد يكذب الراوي لدوافع منها مثلا أن ضعف الراوي أو جهالته عند أهل الحديث قد يجعل السامع للرواية ينسب الخبر المنقول إلى أحد الرواة الثقاة الذين عاشوا من بلده وليس للشخص الذي سمعه منه فعليا.

هذا المخطط يقترح إمكانية حدوث ذلك 

استعنت برسم مخطط وأنا افكر فيما إذا كان تباعد بلدان رواة طرق الرواية يمكن أن ينفع في إثبات تواتر الروايات أم لا فهذا ما نتج عن تفكيري في الموضوع - مخطط يوضح كيفية اختلاق شخص واحد لقصة أو رواية وتناقلها وشهرتها بعد ذلك في أماكن متباعدة ووضع رواتها لأسانيد فتبدو وكأنها مروية من طرق مختلفة.
أرحب بالنقد البناء للفكرة..

والتواتر غير متحقق في سند القرآن حتى باعتراف حتى الكثيرين من أئمة المسلمين (انظر موضوع القرآن ليس متواترا)

في الجزء الثالث من هذه السلسلة سأسرد تتمة الثلاثين مثالا للاختلافات المؤثرة في المعنى بين القراءات السبع

0 comment(s):

إرسال تعليق

ملاحظة: يسمح بإعادة النشر بشرط ذكر الرابط المصدر أو إسم الكاتب